(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129399 مشاهدة
العرش والكرسي من دلائل العظمة

...............................................................................


فنقول: إن الإنسان عليه أن يتفكر في هذه المخلوقات.
فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ تقول: بآياته، ومخلوقاته، ولا شك أن آياته هي العلامات التي نصبها، دلالات على عظمته، دلالات على قدرته، دلالات على وحدانيته وتفرده بالتصرف في هذا الوجود، وكل شيء من هذه المخلوقات يعتبر دليلا واضحا على الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما قال المشركون: لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ قال: الله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يعني: هذا القرآن به آيات بينات، وكذلك أيضا لو نظروا إلى هذه الموجودات لعرفوا أن كل موجود منها فإنه آية بنفسه، كل موجود صغير أو كبير يعتبر آية ودلالة على عظمة الخالق سبحانه، ولكن أين الذين يتفكرون؟
وقد تكلم العلماء على الأدلة في ذلك، وأخذوا أدلة العظمة من أسماء الله التي سمى بها نفسه، وكذلك من الأحاديث التي دلت على ذلك.
فإذا نظرنا في قول الله تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ سمى نفسه بالحي القيوم، والحي هو كامل الحياة الذي لا يعتري حياته تغير؛ ولهذا قال: لا تأخذه سنة ولا نوم، وكذلك في آية أخرى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا يعتريها خلل ولا نقص. في هذه الآية قال: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ والسنة هي النعاس ومقدمات النوم.
ودل على ذلك أيضا الحديث الصحيح هو قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام؛ يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل؛ حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه أخبر بأن الله تعالى احتجب عن خلقه في هذه الدنيا بهذا النور، نور لو كشفه لاحترق جميع الخلق من قوة شعاع ذلك النور الذي احتجب به وجهه حجابا، فهذا بلا شك يُفهم منه عظمة الخالق سبحانه، ولا يحيط الخلق به.
ورد في حديث أن الكرسي يسع السماوات والأرض كما قال: تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قال: بعضهم إن الكرسي كالمقدمة بين يدي العرش. يعني: مقدمة بين يديه، وفي حديث آخر: ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس الترس هو المجنّ الذي يجعل فوق الرأس يعني بمنزلة أو شبيه بالطاقية الذي يستر الرأس؟ ماذا تشغل سبعة الدراهم؟ الدرهم قطعة من فضة كقدر الظفر. إذا وضعت سبعة دراهم في هذا الترس أو سبعون أو سبعمائة، أو سبعة آلاف قد لا تملؤه، فكيف بسبعة دراهم ألقيت في ترس لا شك أن هذا دليل على عظمة هذا المخلوق؛ مخلوق من مخلوقات الله تعالى كالمقدمة بين يدي العرش، ثم ورد أيضا في حديث أن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة الحلقة الحديدة المتلاقية الطرفين. إذا أخذت حديدة وألقيتها في فلاة، في أرض واسعة مفازة لا يدرك طرفها. ماذا تشغل هذه الحلقة من هذه الأرض؟
هكذا الكرسي بالنسبة إلى العرش. اختص الله تعالى العرش بأنه محل الاستواء في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فإذا كانت هذه عظمة العرش، فكيف يقال: في عظمة رب العرش. الرب تعالى هو الذي خلق هذه المخلوقات؛ العرش والكرسي والسماوات كلها مخلوقة، وقد ذكر بعضهم خلافا هل العرش أول المخلوقات أو القلم؟ لأنه ورد في الحديث أول ما خلق الله القلم فقال: له: اكتب فالصحيح أن العرش خلق قبل القلم؛ ولذلك قال: في الحديث: وكان عرشه على الماء وسئل ابن عباس الماء على أي شيء؟ إذا كان العرش على الماء فعلى أي شيء الماء؟ فقال: على متن الريح. أي الله تعالى قادر على أن يجعله على أي شيء يمسكه، ولو على الريح التي يمسك بها ما يشاء.
وبكل هذه الأدلة إذا تصورنا عظمة هذه المخلوقات. السماوات لا يحيط بها إلا الله، وكذلك الأرضون، وكذلك الأفلاك العلوية عظمة الشمس، عظمة القمر، وعظمة النجوم، وما أشبهها والتي نشاهدها تطلع وتغيب ليلا أو نهارا، ونعلم أنا لا ندركها وأنه لا يحيط بها البصر، وأن خلقها أمر عظيم لا يمكن أن يتصورها المخلوق؛ فلذلك نقول: إن هذا ونحوه دليل على عظمة من خلقها وأوجدها، وإذا تصور الإنسان عظمة الخالق فما موقفه؟ لا شك أنه يعظم قدر ربه في قلبه، ويصغر أهل الأرض في قلبه، وتصغر المخلوقات والمعبودات والمعظمات التي يعظمها المشركون ولو كانوا أولياء، ولو كانوا أصفياء لا يملكون شيئا من ملك الله تعالى؛ لأن المخلوق حقير.

ما نسبتك أيها الإنسان إلى عظمة الخالق سبحانه وتعالى؟ مر بنا أن المخلوقات من أول الدنيا إلى آخرها لو كان صفا واحدا، لو كان البشر صفوا صفا واحدا من آدم إلى آخر الدنيا، وكذلك أيضا الدواب الأبقار والأغنام والإبل والحمر والخيل، وما أشبهها، وكذلك أيضا السباع والكلاب والقطط والحشرات، وما أشبهها كلهم صاروا صفا واحدا ما أدركوا عظمة الخالق، ولا وصلوا إلى جزء من عظمته؛ وذلك لأنهم مخلوقون والخالق أعظم مما خلق، وكذلك أيضا مر بنا تفسير قول الله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أي من عظمة الخالق وهيبته. السماوات والأرض تتفطر من عظمته ومن هيبته. لا شك أن هذا دليل على صغر المخلوقات وعظمة خالقها. متى تصور الإنسان ذلك فلا يصد بقلبه عن ربه؛ هذه هي النتيجة لمعرفة عظمة الله وحده.
الآن نواصل القراءة.